تفاصيل ندوة حول الأمن القضائي في زمن الرقمنة والذكاء الإصطناعي..
شكل موضوع الأمن القضائي في زمن الرقمنة والذكاء الاصطناعي، محور نقاش بين مسؤولين ومختصين في الندوة التي نظمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم السبت 11 ماي 2024، في إطار فعاليات الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، المنظم بالرباط، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وفي مداخلة له بالمناسبة أبرز السيد يوسف أستوح، رئيس قطب التحديث والنظم المعلوماتية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الأهمية الكبرى التي يكتسيها التحول الرقمي في السياسات العامة، حيث أضحى من المشاريع الكبرى التي تشتغل عليها بلادنا، وذلك في أفق جعل المغرب قوة تكنولوجية رائدة.
وأكد المتحدث، في الجلسة التي ترأستها السيدة نزهة مسافر، عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن المجلس لم يكن بمنأى عن هذا الركب الرقمي، حيث عمل منذ إحداثه على تنزيل مشاريع مهيكلة أساسية في مجال رقمنة الإدارة القضائية عموما وإدارة المجلس على وجه الخصوص، مؤكدا أن المنصات والبرامج المطورة في تجويد العمل وتبسيط المساطر وتقريب الخدمة القضائية من المرتفق.
وتعتبر حماية المنظومة المعلوماتية، وإرساء مقومات الثقة الرقمية، وتكريس السيادة المعلوماتية، يضيف المتحدث، تحديا من التحديات الكبرى التي يتعين الاشتغال عليها وذلك بوضع خطط لصناعة بيئة رقمية آمنة تستند إلى تقييم المخاطر والحوادث السيبرانية، ووضع سياسة أمنية محكمة، ومأسسة خلايا اليقظة المعلوماتية.
من جانبه اعتبر السيد محمد الساسي، رئيس مكتب محاربة الجريمة السيبرانية للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني، أن النهج المتبع في التعامل مع الجريمة السيبرانية تعرف اختلافات واسعة، تفرضها طبيعة هذا النوع من الجرائم، وهو ما ينعكس على تعريف الجريمة السيبرانية.
وأكد محمد الساسي أن هذه الجرائم متنوعة وذات طبيعة مختلفة تشمل الجرائم “الجديدة” والتي أصبحت ممكنة بفضل وجود تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل الهجمات على الخصوصية والبيانات وأنظمة الكومبيوتر فضلا عن الجرائم التقليدية التي يسهلها بشكل أو بآخر استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وقال السيد الساسي إن هذا التنوع ينعكس بالضرورة على التحريات والأبحاث في الجرائم الإلكترونية، تتداخل فيه مجموعة من التقنيات كما تشارك فيه العديد من المصالح والأجهزة والمنظمات والشركات والأفراد داخل الدولة وحتى خارجها بطريقة أو بأخرى.
وفي مداخلة للسيد ياسين الريسوني، رئيس مصلحة تتبع استراتيجية المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، تم تسليط الضوء على مختلف الإجراءات المتخذة من طرف المديرية العامة لأمن نظم المعلومات التابعة لإدارة الدفاع الوطني ذات البعد الإستراتيجي، القانوني، العملياتي والتحسيسي الرامية إلى تعزيز أمن وصمود نظم المعلومات الوطنية ضد مختلف التهديدات والمخاطر المحدقة بها.
كما أبرز المتحدث مختلف المبادرات التي تعتزم المديرية العامة إطلاقها على المدى القريب والمتوسط من أجل تعزيز المكتسبات المحققة في مجال الأمن السيبراني.
وفي مساهمة عن توجهات محكمة النقض في الجرائم الرقمية، أكد السيد حسن البكري، رئيس هيئة بالغرفة الجنائية بمحكمة النقض، أن سوء استخدام تقنيات المعلومات والاتصال يعتبر أبرز مجال يحتدم فيه الصراع بين مبدأ استتباب الأمن لدى المجتمعات من جهة، ومبدأ حماية الحريات والحقوق الخاصة باستخدام هذه التقنيات لدى الأفراد من جهة أخرى، كما أن كل تدخل تشريعي أو قضائي بغرض تفادي هذا الصراع أو على الأقل التخفيف من حدته ينطوي في الواقع على صعوبات تترجم في جوهرها إلى إشكاليات قانونية سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الإجرائية.
وأضاف أن هذه التحديات تفرض وضع تشريع معلوماتي يكون في قواعده مواكبا للتقدم الحاصل في تقنيات المعلومات والاتصالات، ومراجعة القيود التي يفرضها مبدأ إقليمية القوانين على نحو يأخذ بعين الاعتبار خصوصية جرائم المعلومات والاتصال التي لا تعترف بالحدود الدولية، وإحداث آليات وبرامج للكشف المبكر عن كل استخدام سيئ لتقنيات المعلومات والاتصال، والرفع من المستوى المهني لأجهزة البحث والتحقيق والحكم في الجرائم المعلوماتية والالتزام بمبدأ الاستمرارية في التكوين المواكب لكل جديد فيها فضلا عن وضع قوانين للرقابة على استعمال تقنيات المعلومات والاتصال في حدود ما هو مخل بالأمن.
من جانب آخر أكد السيد محمد بنحمو، رئيس الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، أن الحق في الحياة الخاصة يعد من أسمى الحقوق الطبيعية للإنسان، وهو حق أكدته المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، واقرته القوانين الوطنية والشرائع السماوية، غير أن غزو التكنولوجيا والرقمنة كافة مجالات الحياة، جعل من الصعب الحفاظ على خصوصية حياة الإنسان الشخصية وحرمتها.
وتساءل المتحدث عن السبيل إلى ضمان سرية حياة الإنسان والمعطيات الخاصة وحرمتها، مؤكدا أن مراقبة المراسلات السرية، أو التلصص عليها لا يمكن أن يكون إلا بأمر قضائي، في إطار الحفاظ على الأمن في المجتمع، تماشيا مع الاتفاقيات والمواثيق التي أكدت على الحق في سرية المراسلات والمعطيات الخاصة، التي استمدت منها التشريعات الوطنية القوانين المنظمة في هذا المجال.