الخبر من زاوية أخرى

لماذا لا يقرأ المغاربة؟.. إلى الأستاذ نور الدين مفتاح

Avatarعادل الزبيري


سرني خبر إنطلاقة حملة غير مسبوقة للتشجيع على القراءة للصحافة الورقية المغربية، فالفكرة جميلة وتستحق كل تصفيق. ولكن، في تقديري، لا بد من الوقوف للتأمل، لأني قارئ جيد ودائم للصحافة الورقية المغربية سواء اليومي منها أو الأسبوعي.
 
وليس من باب المجاملة، أحرص على قراءة افتتاحياتك الأسبوعية، أستاذي نور الدين مفتاح، منذ اشتغالك سابقا في أسبوعية "الصحيفة"، وحاليا في منشورك الصحافي الأسبوعي "الأيام"، وأتقاسم "فيسبوكيا"، في بعض الأحيان، افتتاحياتك لأنني أجدها تعبر عن أفكاري.
 
وأعتقد أن الصحافة الورقية في المغرب لا يقرأها المغاربة لأسباب ترتبط بتغير النموذج الإقتصادي للصحافة عبر العالم، ولكن أيضا لأعطاب تعيشها الصحافة المغربية الورقية.
 
لا يزال الصحافي المغربي العامل في صحيفة ورقية مغربية، يشبه في الغالب عاملا بروليتاريا، يشتغل 6 أيام في الأسبوع، فيما راتبه الشهري في الغالب لا يكفي. ويجري إرهاق الصحافي في ملفات أسبوعية تمتد على الأقل لصفحتين إثنتين على أقل تقدير.
 
فيما يتحدث غالبية الصحافيين المهنيين المغاربة عن محدودية الراتب الشهري، وعدم تطبيق غالبية بنود الإتفاقية الجماعية، وغياب الإستفادة من 30 يوما في العطلة السنوية، وعلامات استفهام كثيرة (؟؟؟) يتحدث فيها الجسم الصحافي المهني المغربي عن ملف "الدعم التكميلي للصحافيين"!!!
 
ويحتاج الصحافي المهني المغربي إلى إعادة اعتبار مهني ومالي واعتباري، لأن وضعه، للأسف الشديد، لا يبشر بإمكانية استمرار الجريدة الورقية.
 
وأعتقد أن اختيار ممثلة وممثل، مع احترامي لما يقدمانه في التلفزيون وفي السينما، للقيام بالحملة على تشجيع القراءة، لن يجدي أي نتائج إلا مزيدا من الطلاق بين القارىء وبين المنتوج؛ أي الصحيفة الورقية.
 
ولأنني متابع يومي للصحافة اليومية الأسبوعية الورقية مغربيا، أجد كل عوامل طردي عن شراء الجرائد، فالصحف الورقية لم تتطور، الصفحات الأولى تعاني اكتظاظا في العناوين وفي الصور، وسوء اختيار غالبا في الألوان.
 
ولما تتصفح الجريدة الورقية، تجد أن المواد الإخبارية في الغالب تتكرر، وهنا لا بد من الإعتراف بأن المصادر مقفلة مغربيا، ومسألة الوصول للمصادر محدودة جدا.
 
ومع صعود ما تمسى بالصحافة الإلكترونية في المغرب، وهذه تمسية غير مهنية، ولكنها اختراع مغربي/مغربي، تجد مواد منشورة على المواقع أو حسابات صحافيين على مواقع التواصل الإجتماعي، طريقا إلى التحول لمادة صحافية معادة في الجريدة الورقية.
 
تحتاج العائلة الصحافية اليومية الأسبوعية إلى إعادة تأهيل مهني، عبر التكوين المستمر، الغائب عن غرف التحرير، إلا ما كان مبادرة فردية من الصحافيين.
 
وللأسف الشديد، يجب الإعتراف بالفشل الجماعي في إنتاج قانون صحافة يحدد المهن الصحافية بالتدقيق، ما تسبب في غزو للفضوليين لمهنة الصحافة، فباتت مهنة من لا مهنة له، فظهر من أسميهم ب"الكهربائيين".
 
وأما الصحافة الحزبية، فهي تحتضر عمليا، لأنها جرائد لا يمكن شراءها لأنها منشورات حزبية دعائية في الغالب، وليست صحافة بالمطلق.
 
في الصحافة المغربية المطبوعة، غياب ملحوظ للأجناس الصحافية الكبرى مثل الإستطلاع والتحقيق، إلا في حالات قليلة جدا، فيما "تقليد" الملف الأسبوعي هو الباصم لليوميات في عدد نهاية الأسبوع؛ أي يومي السبت والأحد.
 
بينما لا تزال الصياغات الإخبارية تعتمد الجملة الطويلة جدا، ويبقى حجم الخبر الدولي قليلا، وتقنية صناعة العناوين شبه غائبة إلا في تجارب قليلة، ولا يزال دور المخرج للجريدة الورقية محدودا جدا.
 
وهنا لا يمكن نفي أن النموذج الإقتصادي للجريدة الورقية وصل إلى نقطة النهاية، ففي تجارب مقارنة أنتجت المقاولة المكتوبة فروعا على الإنترنت، واستثمرت في إنتاج المحتوى المصور لضخه في حساباتها على مواقع التواصل الإجتماعي.
 
• الأزمة الحالية في الصحافة المكتوبة، يومية وأسبوعية، تساءل الجسم الإعلامي المغربي.
 
 
للأسف الشديد، لم يقدم المجلس الوطني للصحافة، الذي مارس إقصاء ممنهجا ضد الصحافيين المغاربة المعتمدين، أي مبادرة لتطوير الجسم الإعلامي المكتوب إلى غاية الآن، ما يعني في تقديري أن إكرام الصحافة المطبوعة في المغرب هو دفنها قريبا.
 
بينما يراهن الجميع على "الكهربائيين"، ليكونوا أرانب سباق، وليكونوا قاعدة إنتخابية في النقابات المهنية، وفي ممارسة الضغط العددي على الحكومة بغرض إخراج أموال الدعم المالي، وقبل مغادرة هذه النقطة، لا بد من تشديدي الدائم، على احترام المواقع الإخبارية المهنية على قلتها.
 
وأتساءل هنا، بعقلانية، أليس المتواجدون في المجلس الوطني للصحافة من قيادات في حالة تنافٍ مهني وأخلاقي، ولو لم يكن قانونيا، بتواجدهم أيضا في نفس الكراسي القيادية في أكبر نقابة للصحافة في المغرب؟ ألا يوجد في الجسم الصحافي من نقابيين من الجيل الجديد القادرين على تسلم المشعل؟؟؟
 
وبالعودة للمقروئية في الصحافة المغربية المطبوعة، فإن مقاربة الموضوع بالإعتماد على ممثلين مغاربة، لا تخرج في تقديري عن باب المحاولة، وهي بطبيعة الحال محمودة، ولكنها ستفشل، في ظل غياب دراسة عملية حول أسباب عدم قراءة جريدة عبر شراءها ب 4 أو ب 5 دراهم، فيما يمكن للمواطن المغربي أن ينفق 50 درهما في جلسة في ساعة واحدة في مقهى.
 
أقترح لإنقاذ الصحافة المغربية المطبوعة، المهددة بالإنقراض عمليا، إذا أوقفت الحكومة المغربية دعمها المالي، فتح نقاش مهني حقيقي لا يقصي أحدا، ويكون بعيدا عن الخندقة النقابية والحزبية والسياسوية، ولماذا لا مناظرة مغربية لإنقاذ المطبوع في الصحافة المغربية؟
 
وهذا الرأي، مساهمة متواضعة في مواجهة وضع مريض تعيشه الصحافة في المغرب، فهنالك إرادات تجمعت، عن قصد أو عن غير قصد، أنتجت مؤسسات إعلامية مغربية تُصْدِرُ في أسوإِ مناخ مهني يوميات أو أسبوعيات.
 
ودعوتي للنقاش، منطلقها غيرة صادقة على مهنة الصحافة، واحتراق داخلي لما أراه يوميا، وليس لي لا أجندات ولا حسابات ولا محاباة لأي كان، ولست ضد أحد ولا مع أحد.
 
وفي النهاية، أخبركم الأستاذ نور الدين مفتاح أنني سأواصل شراء اليوميات والأسبوعيات وقراءتها، كمواطن مغربي قارئ، قبل أن أكون صحافيا.
 
 
*مراسل قناة "العربية" في المغرب