الخبر من زاوية أخرى

حديث عابر حول الأزمة والسياسة والشباب

حسن طارقحسن طارق


يسأل الصحافي ماهي اوجه الأزمة في المشهد السياسي؟
 
فانتبه الى ان التوصيف نفسه يطرح اشكالا على مستوى الخطاب و استراتيجيات حامله. المضمون و التكييف قد يختلف بين الفاعل والصحافي والباحث.  وهو يختلف تماما حسب موقع الفاعل الذي يحدد نوعية خطابه: خطاب الأزمة أم الخطاب الذي يجنح الى نزع الطابع الدرامي والتهويلي على الأحداث ،وحتى عندما يقر بالازمة يصفها بأنه أزمة تحول أو شيء من هذا القبيل. 
 
عموما هناك مستويات للحديث في الموضوع ،طبعا هناك الازمة في الزمن القريب ،كما تعاش و يتمثلها الفاعلون في يوميات السياسة المغربية : أزمة تدبير للشأن العام ،و أزمة أجوبة وسياسات تتفاعل مع طلب المجتمع و قضاياه و توتراته ، و أزمة عملية سياسية مشوهة من خلال عجز مؤسسي فادح و ارتباك الهوية السياسية للحكومة ،و طبيعة الاغلبية البرلمانية ،وربما في الخلفية كذلك ازمة السياسة نسفها ،السياسة كمجال للإرادة وللشرعيات المجتمعية وللتداول العمومي. 
 
طبعا هناك مستوى أعمق ،تنتمي فيه الازمة الى زمن مجتمعي اكثر ثقلا ،وهو يهم علاقة الدولة بالمجتمع على ضوء التحولات البنيوية التي تشهدها بلادنا كما تبرز من خلال الأشكال الجديدة للاحتجاج مثلا. 
 
بين هذين الزمنين ،يمكن اقف على عنوانين كبيرين لما ندرج اليوم على تسميته بالازمة: اولا لنلاحظ ضعف نمط من التعبئة القادمة من أعلى ،حيث على عكس السنين الاخيرة ،وربما العقود الثلاثة الاخيرة ،ليس هناك "وعد كبير "تنتظم داخل الإرادات و الآمال و الطموحات الجماعية ، ليس هناك شعار مركزي او عنوان واسع يعطي المعنى للعملية السياسية (على شاكلة التناوب/ الانصاف والمصالحة/ الإصلاح المؤسسي/ …).
 
ثانيا ، غياب الثقة . الثقة في السياسيين، الثقة في السياسة كامكانية لتغيير الحياة ،الثقة في الاحزاب وفي المشاريع الحزبية . 
 
لكن كيف يمكن تجاوز حالة الانسداد السياسي؟
 
الملاحظ أنه ليس هناك إقرار بحالة الانسداد داخل الرقعة السياسية المؤسساتية ، حيث الخطاب عموما هنا يميل الى ان الامر يتعلق باختلالات عادية وتمرين طبيعي لنمط مؤسسي متقدم يحاول التكيف مع الواقع. 
داخل الحقل الحزبي ،مثلا ، ليس هناك امكانية لطرح مشروع لما تسميه بالتجاوز ؟ لماذا ؟ لان الاحزاب عاجزة عن المبادرة وعن انتاج "حالة حاجة للإصلاح" ،وهي منشغلة بتدبير علاقتها السياسوية بالدولة ،اما الدولة فمنشغلة بتدبير علاقة جديدة مع مجتمع متحول .
 
هذا الانشغال يجعلها تحرص على حضور أكبر و أقوى ،رغم انها تعرف انه مكلف سياسيا. 
 
انها تعيش هنا ما يسميه هنتغتون بمعضلة الْمُلْكُ (المعضلة بمعنى le dilemme)  : على الدولة ان تتفاعل مع المطالب الصاعدة من أسفل وهي تعرف ان الجواب على تلك المطالب ،قد يعمل على التنقيص من حدة الطلب الاجتماعي ،كما قد يعمل على زيادته . 

قد يسأل سائل هل هناك دور للنخب؟
 
الواقع أن النخب تعاني ازمة ثقة في مشروعها.  انها على صورة تعبيرات الوساطة المجتمعية المنهكة . النخب الحزبية جزء من ازمة الأحزاب ،النخب المدنية التي افرزها التحول الليبرالي الذي دخله المغرب منذ التسعينات توجد بين فكي كماشة : من جهة الدولة تسترجع الكثير من المساحات التي بنت عليها هذه النخب شرعيتها ،من جهة اخرى انها تشعر انها كذلك معنية بالانبثاق الواسع لهذه الدينامية الاجتماعية الجديدة ،يجب الا ننسى ان منطق الإحتجاج يحمل في كثير من جيناته عداءا مبطنا لفكرة النخب! 
 
هذا عن النخب ،قد يضيف السائل: و ماذا عن الشباب ؟ وأي وصفة لمصالحة مطلوبة بينهم وبين السياسة ؟
 
أتصور أن أول شيء ،هو الاقتناع بأن الامر ليس في حاجة الى وصفات مسبقة بمفعول سحري.  العلاقة بين الشباب والسياسة هي مجرد جزء من كل ،وهي مجرد مظهر جزئي من ترتيب عام معقد ،تاريخي ،ثقافي يلخص العلاقة بين المجتمع و السياسة .
 
خارج التركيز الاعلامي وداخل خطابات الفاعلين ،والمليء بالكليشيهات و الافكار النمطية حول الموضوع ، العلاقة المتوترة مع السياسة كممارسة حديثة ،كمجال عمومي للتداول ،تشمل جميع مكونات المجتمع واجياله. 
 
لنفكر في الجهة المقابلة كذلك ، ولنفكر في الحاجة الى عودة السياسة ،والى تحولها الى آلية ناظمة للقرار العمومي وللاجتماع المدني و مهيكلة للحياة العامة ،و سنعرف ان هذه المصالحة تحتاج ليس فقط الى اقبال الشباب ولكن الى ان تصبح السياسة نفسها مقنعة بالجدوى ،و مليئة بالمعنى ،و ان تصبح في وعي الشباب و غيرهم قادرة على تغيير حياتهم ،وليس فقط شيئا غامضا أو مخيفا أو بلا جدوى.