الخبر من زاوية أخرى

السياسة والإيسكوبار والفيلا المعلومة..

السياسة والإيسكوبار والفيلا المعلومة..
مصطفى الفنمصطفى الفن

ماذا يجري في الدار البيضاء، التي خصص لها ملك البلاد، في وقت سابق، خطابا “ناريا” ساد معه الاعتقاد بأن نصف المسؤولين في أكبر مدينة بالمغرب سيقضون بقية حياتهم في السجن؟

لكن لا شيء من هذا وقع..

بل إن العكس هو الذي حصل حتى أننا استيقظنا ذات صباح على أخطر شبكة في الاتجار الدولي للمخدرات والتي لم تكتف بمزاولة أنشطتها “الإجرامية” فحسب..

بل إن هذه الشبكة حجزت لنفسها مقاعد متقدمة في المؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة وحجزت لنفسها حتى مقاعد في مؤسسات دستورية وطنية بالبلد..

آخر الأنباء تتحدث في هذا المنحى عن تلاعبات وربما حتى عن فرضية حذف بنود وحذف أخرى من اتفاقيات في أفق التصرف في ميزانيات ضخمة بعد أن صادق عليها مجلس هذه المدينة العملاقة..

وعوض أن توضع شكايات لدى النيابة العامة لئلا تتكرر هذه هذه الأفعال الإجرامية المفترضة ومساءلة المتورطين المفترضين..

عوض أن يحصل هذا، وهذ هو المفروض والطبيعي في دولة تحتكم إلى المؤسسات، فقد جرى الصلح بين الفاعلين الكبار في أفق تحميل المسؤولية إلى بعض الموظفين الصغار..

أما “الضحية” في هذا الانفلات، إذا ما “صحت” هذه الوقائع، فهو المواطن وهو هذا الزمن السياسي الذي يهدر على أيدي نخب تعيش من السياسة ومن الرياضة ومن ملاعب القرب ومن العمل الجمعي غير النبيل..

المثير في هذا كله هو أن جميع مسؤولين الدار البيضاء لهم علم بهذه “الانحرافات” بمن فيهم محيط الوالي وعمدة المدينة وبعض نوابها المتورطين في تنازع المصالح من الرأس إلى أخمص القدمين..

ولست في حاجة إلى ذكر أسماء بعينها لأن “الانحراف” لم يعد حالات فردية وإنما أصبح جزءا منهجيا من البنية ومن التفكير أيضا ..

وأنا أذكر بهذا لأنه واهم من يعتقد أن هذه الشبكة انتهت باعتقال رؤوس الحرب مثل صاحب الفيلا المعلومة أو بيوي أو إيسكوبار الصحراء ومن معهم..

لا وأبدًا..

لماذا؟

لأن هذه الفيلا المعلومة لم تكن مجرد فيلا سكنية عادية كباقي الفيلات المجاورة لها في أرقى حي من أحياء العاصمة الاقتصادية للمغرب..

والواقع أن هذه الفيلا كانت لها وظائف كثيرة وعابرة للمدن لعل واحدة منها هي صناعة “النخب الفاسدة” أو “إفساد” ما صلح من “النخب”..

حتى لا أقول إن هذه الفيلا كانت، بالفعل، “غرفة عمليات” يأتي إليها كل الناس من كل جهات المغرب ويجتمع فيها بعض النافذين وبعض صناع القرار “المحلي” من مختلف المجالات..

واسألوا هذا الذي اشترى أراضي “مخزنية” من صاحب الفيلا نفسه في ظروف غامضة..

واسألوا أيضا الموثق المعلوم أو المحامية المعلومة أو هذا الذي حاز لقب “أغنى معلم في المغرب” الذي كان، بحق، هو “العقل السياسي” لكل صغيرة وكبيرة داخل الفيلا نفسها..

بل إن المعلم نفسه لم يغادر هذه الفيلا إلا بعد أن تأكد أن صاحبها أصبح في خبر كان..

وهذا المعلم أيضا كان آخر من رأى زوجة البرلماني “المقتول” مرداس بعد أن أوصلها إلى باب الفرقة الوطنية للشرطة القضائية..

كما أن هذه الفيلا كانت أيضا “فضاء مغلقا” يهندس فيه كل شيء بما فيها هندسة الخرائط الانتخابية..

وكانت توزع فيها المسؤوليات الحزبية والانتدابية على بعض “النساء” المحظوظات وعلى الذي “يسوى” والذي “لا يسوى”..

وكانت هذه الفيلا أيضا فضاء تشكل فيه المجالس المنتخبة وتوزع فيه التفويضات المدرة للدخل..

بل إن الاتفاق المسبق، على النقط المدرجة في جدول أعمال الدورات، كانت وقائعه الأولى تجري ربما في هذه الفيلا بالتحديد..

وكانت هذه الفيلا أيضا فضاء تقتسم فيه “الغنائم” في شكل صفقات وعقارات ورخص استثنائية وغير اشتثنائية ومعها الكثير من الامتيازات..

بعض رجال الأعمال وبعض المسؤولين المنتخبين من مختلف الأحزاب يعرفون أسرارا كثيرة عن الطقوس وعن الكيفية التي كانت تدور بها عجلة “الابتزاز والنصب” بالفيلا نفسها..

كما كانت هذه الفيلا أيضا “دارا غير آمنة” تتخذ فيها حتى بعض “القرارات” الانتقامية التي قد تكون لها تداعيات على حرية الناس وعلى كرامة الناس وعلى أمنهم الشخصي أيضا..

وهذا ما قرأنا بعض تفاصيله المثيرة في محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية عشية تفكيك شبكة الإيسكوبار..

أكثر من هذا، فحتى قرار مقاضاة أبو الغالي وتهديده بالسجن ورفض الصلح معه لم يتخذه المشتكي العلني أو المشتكي الذي يدعي أنه ليس سوى واجهة لشخصية كبيرة في هرم الدولة وإنما هو قرار اتخذه بعض رواد هذه الفيلا المعلومة نفسها..

ولا بأس أذكر هنا بجملة قالها أبو الغالي الضحية المفترض لهذه الشبكة في بعض بياناته لأن هذه الجملة تلخص كل شيء:

“لقد سلبوني سلبا”..

وعبد ربه سبق له أن قرأ وثائق قضائية تتحدث عن واحد من أصدقاء صاحب الفيلا المعلومة والذي رفع سقف التغول عاليا..

حصل هذا حتى أن المعني بالأمر لم يكتف فقط بانتحال صفة مستشار بديوان مستشار ملكي وازن..

بل إن هذا “الصديق” أو مستشار “المستشار” وعد صاحب الفيلا المعلومة شخصيا بحقيبة وزارية على رأس قطاع الرياضة والشباب..

كما استطاع “المستشار” الوهمي أيضا أن يحصل، عبر تقنية النصب، على إكرامية من الملياردير السعودي العمودي مالك محطة لاسمير لتكرير البترول بالمحمدية مقابل “خدمة” لم يقم بها أصلا.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، ذلك أن المستشار المزيف استطاع أيضا، وعبر آلية النفوذ”، أن يؤجل حتى “طلبات عروض” طرحها البنك الشعبي الى العلن..

بل إن المستشار المزيف، الذي حوكم بسنتين حبسا نافذا، حصل أيضا حتى على هدايا من هذه المؤسسة البنكية في عهد رئيسها المدير العام السابق الذي يترأس اليوم أكبر مؤسسة للاستثمار في المغرب..

المثير في هذا كله ورغم هذه الحصيلة الثقيلة والكارثية إلا أن أصحابها، الذين لم يشيدوا ولو مرحاض عمومي في أكبر مدينة سياحية بالبلد طيلة ولايتين فارغتين، لا يجدون أي حرج في أن يحلموا بتسير حكومة المونديال أيضا..