هكذا يؤسس المغرب قرارته الديبلوماسية والاستراتيجية
لا أدري ما إذا كنتم تتذكرون المسؤول القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني؟
طبعا كلنا يتذكر أن الشيخ حمد بن جاسم كان رئيس الحكومة القطرية وكان وزير خارجيتها لمدة 21 سنة..
بل إن الرجل كان، بحق، مهندس السياسة الخارجية لبلد خليجي صغير كان ولا زال ربما حاضرا وبقوة في الكثير من القضايا ومن النزاعات الإقليمية والدولية الكبرى..
كما أن الشيخ حمد بن جاسم كان “شاهدا على العصر”..
وكان “شاهدا” على الكثير من الأسرار العابرة للحدود ومن الملفات في الشرق الأوسط..
وفي فلسطين..
وفي النزاع مع إسراااائيييل..
وفي النزاع بين الفرقاء في لبنان..
وفي السودان وفي غيرها من بؤر القتال والحروب..
نعم هذا المسؤول القطري السابق، الذي كان “شاهدا” على كل هذا، شوهد صباح أمس يتجول في الأزقة الشعبية الضيقة ب”لمدينة لقديمة” بالدار البيضاء..
وربما كان منتظرا أن يقوم بجولة استجمامية أخرى في حي الأحباس قبل أن يقفل عائدا إلى وطنه..
وأنا لا أعرف أين تندرج هذه الزيارة التي قادت مسؤولا قطريا سابقا بهذا الوزن وبهذا الماضي إلى بلدنا..
لكن ما هو أهم من ذلك وهو أن بلدنا له “أسلوبه” الديبلوماسي الخاص وله رؤيته الخاصة في الدفاع عن مصالحه العليا وعن قضاياه العادلة..
وما هو أهم أيضا هو أن بلدنا لا يؤسس قراراته الديبلوماسية والاستراتيجية على الحماس العابر أو على عواطف اللحظة وإنما على منسوب عال من الحكمة ومن الثقة في الذات وعلى بعد النظر وعلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
وهذه مناسبة لأذكر بواقعة من زمن “التوتر” القطري السعودي الذي انتهي بحصار شامل ضد دولة قطر من طرف بعض أشقائها في مجلس التعاون الخليجي..
بل إن البعض من هؤلاء الأشقاء العرب أرادوا، وقتها عقب اندلاع هذا “التوتر” غير المتوقع، أن يجعلوا من بلدنا مجرد ملحقة أو مجرد رجع صدى لسياستهم الخارجية..
لكن الذي حصل هو أن بلدنا رد بنجاعة وبحزم وبثبات وربما بعناد أيضا ورفض الاصطفاف والانحياز الى هذا الطرف أو ذاك في صراع هو أصلا صراع بين جيران..
فما هي هذه الواقعة التي تذكرتها اليوم ارتباطا بهذا السياق؟
لقد روى لي رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران ذات يوم كيف أنه “احتار” ليلة اندلاع ذلك “الحصار” الشامل على قطر..
واحتار بنكيران لأنه كان له لقاء مع مسؤولين قطريين في اليوم الموالي لوقوع هذا “الحصار”..
ولأن الأمر كذلك فقد “تريث” أو “تحفظ” بنكيران، في البداية، على لقاء المسؤولين القطريين خشية أن يفهم “البعض” كما لو أن هذا اللقاء فيه رسالة ما إلى الرياض..
فماذا فعل بنكيران؟
لقد ربط الاتصال بجهة عليا في المغرب ونزل الجواب على هذا الشكل:
“السي عبد الإله، دير خدمتك كما هو متفق عليه.. وهاذو راهم اخوت، وإيلا اختالفوا دابا، راه غادي يجي واحد النهار اللي غادين يتصالحوا..”..
وهذا ما حصل بالضبط فيما بعد ولو بعد ربما أكثر من ثلاث سنوات ونصف من الجفاء ومن القطيعة..
وبالفعل فقد عادت المياه إلى مجاريها وذابت كل الخلافات مع مرور الزمن ثم جرت المصالحة وجرى الصلح بين الإخوة “المتصارعين”..
وها هم اليوم “سمنا على عسل” وربما على قلب رجل واحد داخل الخيمة الخليجية الرحبة والفسيحة والتي ينبغي أن تتسع لكل أوطانها.