ضريف يدعو إلى “التخلص” من رئاسة لجنة القدس
التقيت، أول أمس، ليس السياسي والأمين العام لحزب “الديمقراطيين الجدد”..
لا..
والواقع أني التقيت عالم السياسة والباحث والمتأمل والأستاذ الجامعي والأكاديمي والدكتور محمد ضريف..
في هذه الجلسة المطولة بالمقهى المجاورة لمنزله، تحدثنا “تقريبا” عن كل شيء وفي كل شيء وربما بلا خطوط حمراء..
لكن تحدثنا أيضا بمسؤولية لأن الوطن “خير وأبقى” وهو الأهم، وما عاداه من انتماءات يظل مجرد هوامش صغيرة خارج المتن..
طبعا كان دوري هو أن أسأل وأعيد طرح الأسئلة بأكثر من صيغة ومن زوايا متعددة..
وكان الأستاذ ضريف يجيب ويحلل ويربط الأحداث ببعضها ويربط الماضي بالحاضر ويستحضر ما عنده من معلومات ثم يستنتج ويؤسس ويبني الفكرة والخلاصة والرأي والموقف..
صحيح، فما كل ما بسطه الأستاذ ضريف من آراء وأفكار كان بالضرورة محط اتفاق وتوافق وتماه معه في هذه الجلسة..
وهذا هو العادي والطبيعي في قضية جد معقدة وتتداخل فيها الكثير من الأبعاد العابرة للزمان والمكان مثل القضية الفلسطينية..
لكن رسالة المهنة تفرض على المنتسب إليها أن يبذل قصارى جهده ليكون أمينا في نقل ما سمعه أو ما فهمه بالدقة اللازمة في ما دار بينه وبين ضيفه..
دعوني أبدأ بقضية بدت لي ربما هي “أم الكتاب” في هذه الجلسة مع ضريف..
أتحدث هنا بالتحديد عن رئاسة لجنة القدس التي يترأسها الملك محمد السادس..
ضريف يقول ربما شيئا غير تقليدي بهذا الخصوص إذا ما فهمت كلامه جيدا:
“رئاسة هذه اللجنة هي بالتأكيد حمل ثقيل وعبء ثقيل وإرث ثقيل لملك له أسلوب خاص في الحكم”..
وإذا كان الرجل هو الأسلوب، فإن أسلوب محمد السادس يختلف عن أسلوب والده الراحل الحسن الثاني رحمه الله..
أكثر من هذا، ضريف رفع منسوب الإثارة عاليا وهو يضيف أيضا:
و”ربما أتي الوقت أو قد يأتي الوقت لكي يتخفف المغرب والدولة المغربية من هذا العبء الثقيل والمكلف جدا على أكثر من مستوى”..
ولعل ضريف يشير هنا إلى “الحرج” الذي ظل المغرب يشعر به كلما نفذ الجيش الإسرائيلي عدوانا وانتهاكات وتجاوزات واقتحامات للمسجد الأقصى..
أكثر من هذا، المغرب أعطى كثيرا لفلسطين وللفلسطينيين وللقدس دون أن يأخذ أي شيء أو يعترف له بشيء ولو بمضمون معنوي..
كما أن الحقائق على الأرض، ومنذ عهد الراحل ياسر عرفات إلى عهد “حماس” ومحمود عباس أبومازن، تقول شيئا آخر وهو أن أطرافا فلسطينية كثيرة ظلت تصطف دائما مع خصومنا ومع أعدائنا ضد قضايانا العادلة ذات الحساسية الخاصة..
هكذا إذن يرى ضريف الأمور من موقعه قبل أن يذكر أيضا بالسياق الإقليمي والدولي والتاريخي الذي قاد إلى ترؤس الحسن الثاني للجنة القدس..
حصل هذا بعد حدثين هامين بامتداد دولي..
الحدث الأول هو القمة العربية بالرباط لسنة 74 والتي انتهت بالاعتراف بأن منظمة التحرير الفلسطينة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني..
فيما كان الحدث الثاني هو المؤتمر العاشر لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي أقيم بفاس في مايو 79..
كل هذه العوامل ساهمت أو رجحت كفة إسناد رئاسة لجنة القدس إلى الحسن الثاني خاصة إذا ما استحضرنا أيضا خصوصية علاقات بلدنا مع الدولة العبرية التي يوجد فيها قرابة مليون يهودي مغربي..
ثم إن الحسن الثاني، حسب ضريف، كان دائما بمثابة الراعي والوسيط الموثوق به في تقريب وجهات النظر بين الإسرائليين والعرب..
وربما لولا الحسن الثاني لما كانت هناك معاهدة سلام المعروفة ب”كامب ديفيد” بين مصر أنور السادات وإسرائيل مناحم بيغن سنة 79..
قضية أخرى كانت أيضا محط نقاش ومحط أخذ ورد في هذه الجلسة مع الأستاذ ضريف..
والمقصود هنا مستقبل التطبيع مع إسرائيل خاصة بعد كل هذا الذي وقع وأيضا بعد أحداث 7 أكتوبر الأخيرة..
ضريف قال “تقريبا” بصريح العبارة في هذا المنحى:
“المغرب لا يمكنه أن يلغي التطبيع”..
ثم يلمح ضريف أيضا إلى أن التطبيع هو مسار وهو تحد وهو إكراه تمليه المصالح العليا للبلد وليس قرارا يمكن لأي بلد أن يتخذه أو يتراجع عنه في أي وقت..
وحتى عبارة “كلنا إسرائليون”، التي كتبت في لحظة معينة وفي جريدة معينة وبلغة معينة وفي منطقة جغرافية معينة، هي ليست عبارة “ضارة” بالوطن بلغة “المصالح” لأن “المصالح” هي الثابت..
وربما لا تخلو هذه العبارة أيضا من بعض الرسائل “الصامتة” لطمأنة أطراف بعينها في الداخل والخارج معا..
نعم هذا ما فهمته من ثنايا الكلام وأنا أتحدث إلى الأستاذ ضريف..
وهذه واحدة من هذه الرسائل التي تضمنتها عبارة “كلنا إسرائيليون” حتى وإن أثارت كل هذا الجدل الذي يبقى صحيا ومفيدا طالما ابتعد عن لغة “التكفير والتخوين وشيطنة الناس”:
“في المغرب ليس هناك رأي واحد ووجهة نظر واحدة في قضية التطبيع مع إسرائيل..
في المغرب هناك أكثر من رأي وأكثر من وجهة نظر وهناك من يقول “كلنا فلسطينيون” وهناك من يقول “كلنا إسرائيليون” لكن جميعهم مغاربة وجميعهم يتعايشون تحت سقف واحد هو سقف الوطن”..
طبعا، في هذا النقاش مع ضريف، تحدثنا أيضا عن فصائل “المقاومة المسلحة” وعن “حماس” وعن غير “حماس”..
ولا يتردد ضريف في القول هنا إن “حماس” هي الآن في “ورطة” بعد “هجوم” ال7 من أكتوبر ..
والسبب ليس هو أنها كادت أن “تتماهى” مع “التنظيمات الإرهابية” عندما هددت بقتل أسير إسرائيلي مقابل كل هجوم على قطاع غزة..
وفعلا، وحدها “التنظيمات الإرهابية” التي تقتل الأسرى أو تهدد بقتلهم وليس تنظيم مقاوم يدافع عن أرضه ووطنه..
ذلك أن السبب هو أن “حماس” بدأت “حربا” لكنها لا تعرف كيف تنهيها خاصة بعد أن بدا أيضا أن القدرات العسكرية والقتالية لهذا التنظيم المسلح قدرات “متواضعة” جدا..
والمؤشر في هذا المنحى، بحسب ضريف، هو العدد المحدود من الصواريخ التي أطلقتها “حماس” في اتجاه الأهداف الإسرائيلية بدون أي مفعول على الأرض..
لكن، أستاذ ضريف، ما العمل الآن؟
في معرض الجواب عن هذا السؤال يقول أستاذ العلوم السياسية:
“على المغرب أن يدافع عن مصالحه..
وعليه أن يهتم بقضاياه الوطنية والعادلة..
وعليه أن يهتم بالتنمية وتنزيل مشروع الدولة الاجتماعية..
وعليه، أيضا، أن يهتم بتازة أولا قبل أي شيء آخر”.