من يعلن موت السياسة في المغرب!!
في الوقت الذي كنا ننتظر فيه نقاشا سياسيا عميقا يؤطر للتحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المغرب، أتت هذه الحكومة لتجرنا لنقاش من نوع آخر يعلن عن موت السياسة، ويؤسس لمرحلة جديدة تعتمد على مكونات الموائد الغذائية التي كانت آخر اهتمامات المغاربة بحكم أنها تحصيل حاصل.
المتتبع اليوم للنقاش العمومي يكاد يغرق في تفاصيل الجزيئات، ويكاد أيضا يقتنع ان “ماطيشة” و”البصلة” وباقي الخُضر هم من يصنعون السياسة في مغرب اليوم، ومع حكومة الكفاءات التي بشرت المغاربة أثناء حملاتها الانتخابية أنها ستنقل المغرب إلى مصاف الدول المتقدمة، وللأسف هنا أستعير مقولة للصحفي رشيد البلغثي “انتقلنا مع هذه الحكومة من مناقشة مكونات الدولة الى مكونات الگاميلة”، حيث أصبح البصل تمامًا كالدولار نراقب كل صباح صُعوده وهُبوطه… فأي عبث هذا الذي نعيشه اليوم مع هذه الحكومة التي يبدو أنها تطارد السحرة، لأنها لاتعرف من هم المُضاربون ولا الوُسطاء!! وتنتظر من الصحافيين والمواطنين أن يهدوها سواء السبيل لتعرف أين يختبئ هؤلاء، وبالعودة قليلًا إلى الوراء وإلى الحملة الانتخابية للحزب الذي يقود الحكومة سنعرف بما لايدع مجالا للشك أين يوجد هؤلاء المُضاربون والوُسطاء الذين ألهبو جيوب المغاربة المثقوبة أصلا ً.
من المؤسف جدا أن يتراجع النقاش السياسي في المغرب وأن نتفرغ جميعًا لمطاردة أخبار “بطاطا” و”البصل” و”الفلفل الأخضر والأسود” في الأسواق، والحال أننا أهدرنا زمناً طويلًا وأموالاً طائلة على مخططات في الفلاحة والتعليم، فلا شبعنا في بطوننا ولا نحن أنتجنا جيلًا متعلمًا ومثقفًا، إنها مسيرة طويلة من إهدار المال العام، وكل مسؤول يأتي بخطة وإسترتيجية ليس لبناء العقول او إشباع حاجات الناس، بل لبناء شيء آخر بعيدا عن كل هذا، فهل اختفى النقاش عن قانون الإثراء غير المشروع الذي كان من الممكن أن يحصن النفس والوطن وحل محله نقاش أثمان الخضر والفاكهة في بلد فلاحي بالدرجة الأولى ويمتلك بحرين وشواطئ ممتدة؟؟
شخصيا لم أعد أفهم كيف نعيش كل هذا البؤس المجاني في بلد مات فيه النقاش وغابت فيه الأحزاب السياسية والنقابات وأضحى الفراغ سيد الموقف وكأن كل شيء تم شراءه حتى الصمت له ثمن وكلفة باهضة لمن يظن أنه أشترى كل شيء أو بالدارجة “قطع الواد ونشفو رجليه”.
أدرك أننا ندفع الثمن جميعا في وطن كل مقومات حياة سياسية سليمة موجودة فيه، وكل ركائز البناء مشيدة عبر قرون طويلة، لكن للأسف غاب رجال الدولة وحضر فقط بعض رجالات الأعمال..
يمارسون السياسة بمنطق الربح وليس الخسارة، لذا لا أستغرب مايقع اليوم مع هذه الحكومة، لأنه جزء من مُحصلة لمقدمات طالما حذرنا منها وسنظل مع إدراكنا أن كُلفة الكلام في هذا الوقت بالذات مُكلفة، لكن إيماننا أن كلفة الصمت أكبر هو الذي يدفعنا أن نختار المغرب بكل مقوماته، لأنه باق والحكومات متغيرة، ومتى أدركنا أهمية هذه المعادلة الصعبة والبسيطة في الآن ذاته سنرتاح ونريح قلوبنا من هذا الهم الجاثم على القلب والنفس في شهر فضيل كان من المفروض فيه أن نتفرغ للعبادات وفعل الخير لا لمراقبة الأسعار.
بقى فقط أن أنصح الحكومة بأن تستعين بمكتب دراسات أجنبي ليكتشف لها أين يوجد المُضاربون والوُسطاء الكبار ومحتكري شركات المحروقات والغاز، مادام حدسها خانها في اكتشافهم لأن مهمة هذا الإكتشاف صعبة فعلا وعملية فلسفية على سقراط أن ينهض من قبره ليحدثنا عن إكتشاف الذات، أم سنحتاج للحلاج ليقول لنا:
“أَنا مَن أَهوى وَمَن أَهوى أَنا … نَحنُ روحانِ حَلَنا بَدَنا”
وحكومتنا الموقرة زاوجت بين هذا وذاك فلها المال والسياسة، لها كل شيء إلا نحن هؤلاء المسكونين بهوس الوطن وحبه لن تستطيع شراءنا.
من يقول الحقيقة اليوم للحكومة حتى من داخلها فهي منه براء حتى وإن كان جزءًا منها، وبدل أن تُنصت وتتفاعل، تجتمع للاستنكار!! فأي إجماع هذا وأي تجانس بين مكونات أغلبية لاتقبل سماع الحقيقة وتختفي وراء إجماع مقدس يدفع ثمنه المواطنون.
في 2026 هناك فعلاً من سيدفع ثمن هذا التجانس المزعوم يوم لاينفع مال ولابنون الا من قال الحق في وقته وصارح المواطنين ولو على حساب حقائب لاتغني ولاتضر.
عبد الرحيم بوعيدة