الخبر من زاوية أخرى

قضية تعديل المدونة.. لا خوف على بلد من النقاش بين نخبه

قضية تعديل المدونة.. لا خوف على بلد من النقاش بين نخبه
آذارآذار

نحن في السياسة.. ونحن أيضا في مجتمع متعدد الأديان ربما، ومتعدد الثقافات ومتعدد المذاهب ومتعدد المرجعيات ومتعدد الأفكار..

نعم هكذا نحن حتى وإن كانت لنا وزارة للشؤون الإسلامية وليست وزارة للشؤون الدينية..

وهكذا كنا حتى وإن قال الراحل الحسن الثاني:

“أنا أصولي وأنا الذي أفسر القرآن..”..

وفي السياسة، نحن لا نختار بين القرارات الحسنة وبين القرارات السيئة..

في السياسة، نحن نختار بين القرارات السيئة وبين القرارات الأقل سوءا.

والسياسة هي فن إدارة “التعدد” وفن إدارة “الاختلاف”..

كما أن السياسة هي أيضا مجال للتقدير..

وهي أيضا مجال للرأي وللمكيدة وليست مجالا للمعتقد والعقيدة.

وربما لهذا السبب، فقد عطل بعضكم، في سياق مضى، “بعدا عقديا” لتصادقوا على “التطبيع” مع ما تسمونه ب”الكيان الصهيوني”..

كما “أجزتم” تقنين “الكيف”..

وصادقتم أيضا، وبالإجماع وضد أدبياتكم، على قانون “الفرنسة” لتكون السيادة للغة المستعمر وليس “للغة القرآن”..

أكثر من هذا، لقد “أجزتم” أيضا البرتوكول الاختياري الإضافي الأول، المرتبط باتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، المعروف ب”سيداو”..

حصل كل هذا رغم أنكم ظللتم تناهضون هذا البرتوكول لسنوات طويلة لأنه، في نظركم، يصادم الهوية ويصادم المرجعية ويصادم خصوصيات المجتمعات..

أقول هذا ولو أني أنا شخصيا مع هذا التفسير “البراغماتي” للنص لأن النص جاء في الأصل لتيسير حياة الناس والمجتمعات وليس لتعقيدها..

لكن لم أفهم هذا “الانقلاب” المفاجيء على كل شيء حتى أن البعض استكثر على مجتمع مدني أن بعبر عن خلافه وعن رأيه في قضايا هي أصلا “قضايا خلافية” بمناسبة هذا النقاش الجاري حول تعديل بعض بنود مدونة الأسرة..

وليت الأمر وقف عند هذا الحد، ذلك أننا أصبحنا نتضايق حتى من مجرد “وجهة نظر” آتية من نخب المجتمع وليست آتية حتى من الدولة ومن بعض مؤسسات الدولة..

وقع كل هذا إلى درجة أننا أصبحنا نتهم نخبا مغربية قحة وأصيلة وأدت الثمن غاليا من حريتها ب”العمالة” للأجانب..

بل أصبحنا نتحدث حتى عن “فتنة” قادمة لا تبقي ولا تذر وعن إمكانية انهيار الدولة وإمكانية سقوط النظام وسقوط كل شيء فوق رؤوسنا..

ما هذا “الخوف غير العادي ” من مجرد نقاش عادي بين نخب البلد؟

في كل الأحوال، الذي أعرف أن الأمين العام لحزب التقدم السيد نبيل بنعبد الله ليس “عميلا” للأجانب لكن السيد له رأي في هذه القضايا الخلافية ويدافع عن بشراسة..

وهو رأي لا يختلف عن آراء هذه النخب المتهمة ب”العمالة” للأجانب..

ماذا يعني هذا كله؟

هذا معناه أن السياسي، الذي يمارس السياسة من زواية المشترك الوطني، مطالب بأن يكون “حذرا” أكثر من الآخرين في كيل الاتهامات إلى “خصومه”..

لماذا؟

لأنه منتهى “التهافت” عندما تلتمس أكثر من 70 عذرا لنفسك لكنك لا تلتمس ولو عذر واحد لغيرك.