; مصطفى الفن يكتب: السياسة هي أيضا “فن الكلام” الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض – الخبر من زاوية أخرى | آذار – adare.ma
الخبر من زاوية أخرى

مصطفى الفن يكتب: السياسة هي أيضا “فن الكلام” الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض

مصطفى الفن يكتب: السياسة هي أيضا “فن الكلام” الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض
مصطفى الفنمصطفى الفن

هل السياسي مطالب بالكلام أم أنه مطالب بالصمت؟

وهل السياسي مطالب بأن يفكر طويلا قبل أن يتكلم أو بالأحرى قبل أن يصمت من جديد؟

أم أن السياسي مطالب بألا يتكلم إلا إذا كان هناك ما يدعو الى الكلام؟

ليس لي أي جواب دقيق..

لكن طرح مثل هذه الأسئلة قد تكون له أهمية لأن هناك من يريد أن يدفع في اتجاه “المحظور”..

أي في اتجاه ألا يكون بلدنا في حاجة أصلا إلى سياسة ولا إلى سياسيين.

بل هناك من ذهب أبعد من ذلك ورأى أن البلد يمكن أن يبني نموذجه التنموي الجديد دون حاجة إلى سياسي متكلم ولا إلى سياسي صامت.

وكاد أن بحصل ربما هذا “الاقتناع” لدى البعض فقط لأن هناك متكلمين جددا يمكنهم أن يقوموا مقام السياسي..

لكن من هم هؤلاء المتكلمون الجدد؟

طبعا هم هؤلاء الذين لا مسؤولية لهم ويتحركون يمينا وشمالا وبلا ذرة من واجب التحفظ.

وأقصد هنا نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي..

ولا أدري ما إذا كان صحيا أن يصمت السياسي ولو من موقع المسؤولية ليأخذ الكلمة مكانه من لا مسؤولية لهم.

في تاريخ المغرب المستقل، لم يخل مشهدنا السياسي من متكلمين كثر..

الراحل المحجوبي أحرضان كان واحدا من هؤلاء الساسة المتكلمين..

والمحجوبي أحرضان لم يكن يتكلم كثيرا فحسب..

المحجوبي أحرضان كانت له مهمة واحدة وهي الكلام حتى أن البعض أطلق عليه لقب “الزايغ”.

لكن أحرضان كان يتكلم ليس كرجل سياسي يريد طمأنة الناس وتهدئة الناس وتوعية الناس..

المحجوبي أحرضان كان يتكلم ليزرع “الخلط” في سياق سياسي كان “ربما” في نظره يتطلب هذا “الخلط”..

كما كان عندنا أيضا سياسي آخر هو الزعيم الاستقلالي امحمد بوستة..

بوستة كان يتكلم حتى في القضايا الأكثر حساسية..

لكن بوستة كان يتكلم بأفق واضح وهو خلق التوازن في العلاقة مع المخزن وأيضا ليظل حزب الاستقلال في قلب المعادلة السياسية..

كما كان عندنا أيضا علي يعتة أو “الشيوعي المغربي الوحيد”، بتعبير الراحل إدريس البصرى أقوى وزير داخلية في تاريخ المغرب.

الراحل علي يعتة هو أيضا كان يتكلم لكنه رجل سياسة يعرف جيدا دلالات ومضمون خطابه السياسي.

باختصار شديد، علي يعتة كان يعرف ما ينبغي أن يقال وما لا ينبغي أن يقال لأن الرجل خبر، عن قرب، “دار” المخزن ودسائس المخزن ودهاليز المخزن..

كما كان عندنا أيضا الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد..

وعندما يتكلم عبد الرحيم بوعبيد فإن الجميع يلتزم الصمت ليستمع إليه..

بل عندما يتكلم عبد الرحيم بوعبيد فإن القصر والدولة ورموزها وأجهزتها العميقة وغير العميقة تلتئم على عجل في اجتماعات طارئة.

وهذا يدخل في حكم العادي في تلك الحقبة من تاريخ المغرب..

لماذا؟

لأن عبد الرحيم بوعبيد لم يكن يتكلم ليلوك الكلام أو ليبعث رسائل الى رؤساء الحكومات..

عبد الرحيم بوعبيد كان يتكلم ولكن ليبعث رسائل ملغزة إلى رأس الدولة وإلى القائمين على شؤون الحكم.

كما كان عندنا أيضا زعيم سياسي كبير وملهم للجماهير وهو الراحل المهدي بنبركة..

بنبركة لم يكن يتكلم أمام الحشود من الجماهير الغفيرة فقط، بل كان أيضا صاحب خطاب سياسي قوي ومدمر للخصم ومؤثر في كل اتجاه..

وربما لهذا السبب كانت مؤسسة الجيش في شخص أوفقير تخافه وتحسب له ألف حساب..

أقول هذا ولو أن الحقيقة هي أن كل الجيوش في العالم تخاف السياسيين المؤثرين أو الذين يتكلمون بطلاقة أمام الجماهير..

وليس سرا أن أول شيء قام به الثوار العسكريون عقب انقلاباتهم في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي مصر، وهو أنهم قتلوا السياسيين المعارضين الذين يحسنون الكلام أمام الجمهير.

خلال العشر سنوات الأخيرة من العهد الجديد، برز إلى السطح سياسي آخر يحسن الكلام وبخطاب سياسي قوي ومؤثر أيضا..

إنه عبد الإله بنكيران.

لكن بنكيران ليس مهووسا “ربما” بالخطابة أمام الناس وأمام الجماهير وأمام من هم “التحت”..

بنكيران “مهووس” ربما إلى حد بعيد بشيء واحد وهو رضى “الفوق” وثقة “الفوق”..

بقي فقط أن أقول. كم نحن مخطئون عندما نعرف السياسة على أنها فن الممكن..

قد يكون الأمر لكن السياسة هي أيضا “فن الكلام” الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض..