; 18 سنة على وقوع تفجيرات 16 ماي.. الإنجازات والإخفاقات – الخبر من زاوية أخرى | آذار – adare.ma
الخبر من زاوية أخرى

18 سنة على وقوع تفجيرات 16 ماي.. الإنجازات والإخفاقات

18 سنة على وقوع تفجيرات 16 ماي.. الإنجازات والإخفاقات
مصطفى الفنمصطفى الفن

مرت الآن 18 سنة على التفجيرات الإرهابية التي هزت مواقع ومنشآت بالدار البيضاء بالتزامن مع احتفالات أسرة الأمن الوطني بذكرى تأسيس هذه المؤسسة يوم 16 ماي لعام 1956.

ورغم هذا الفاصل الزمني الطويل إلا أن شبح هذه التفجيرات لازال حاضرا وبقوة في احتفالات ذكرى التأسيس التي تخلدها المديرية العامة للأمن الوطني كل عام في هذا اليوم.

وهذا معناه أن هذه التفجيرات الإرهابية ستظل دائما عنصرا مشوشا على هذه الذكرى ما لم نسارع إلى طرح بعض الأسئلة حول تقييم سياسة الدولة في محاربة الإرهاب.

ويفرض هذا التقييم ابتداء أن تتم الإشادة بالاستراتيجية الاستباقية للأجهزة الأمنية القائمة أساسا على تعقب الخلايا الإرهابية وتفكيكها قبل أن تبلغ أشدها أو تصل إلى مستويات متقدمة من التخطيط والتنفيذ.

لكن هذا لا يعني أن خطر الإرهاب لم يعد قائما اليوم فقط لأن هناك يقظة أمنية استباقية.

لا.

ما هو مؤكد أن الخطأ صفر لا وجود له مع “وباء” عابر للقارات اسمه “الإرهاب”.

ثم إن مسؤولية محاربة هذا “الوباء” ليست مسؤولية الأجهزة الأمنية لوحدها..

بل هي إنها أيضا مسؤولية جميع مؤسسات الدولة ومسؤولية المجتمع ومختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي مقدمتها المؤسسات الدينية التي ينبغي أن تكون قاطرة لخطاب ديني منفتح يعلي من قيمة الحياة وليس من قيمة الموت..

أما المستوى الثاني من تقييم سياسة الدولة في محاربة الإرهاب فإنه يقودنا حتما إلى مفارقة دالة تحتاج إلى لحظة تأمل عميق.

لأنه بالقدر الذي تمكنت فيه الأجهزة الأمنية من تفكيك مئات الخلايا الإرهابية، فإن هذه الخلايا لازالت تتوالد وتتناسل داخل وطننا مثل الفطر.

ماذا نفهم من هذه المفارقة؟

نفهم منها أن ثمة تفاوتا في اشتغال مكونات الاستراتيجية المعتمدة من طرف الدولة في مكافحة الإرهاب.

أي في الوقت الذي عرفت فيه المقاربة ألأمنية ذروة نجاحها ونجاعتها، بقيت المكونات الأخرى الموازية عاجزة عن الاشتغال الجيد بما في ذلك المكون المرتبط بإصلاح الحقل الديني.

وأقصد هنا تحديدا المجهودات المبذولة في مجال تكوين الأئمة والمرشدين وإعادة هيكلة المجالس العلمية وتوسيع صلاحياتها وإحداث المجلس العلمي الأعلى وتحمله مسؤولية الفتوى، وميلاد قناة وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فحتى تغيير مناهج وبرامج التعليم الديني لازال لم يرق إلى المستوى المطلوب ولم يستطع هذا النوع من التعليم أن يوقف تناسل الخلايا الإرهابية.

وليس هذا فحسب، فالمسجد، الذي يمكن أن تكون له الريادة في مجال التأطير الديني بقراءة وسطية وتنويرية للنص الديني، لم يعد بدوره هو الفضاء الوحيد للتأطير ومصدر المعرفة الدينية خاصة إذا علمنا أن العديد من الأئمة وخطباء الجمعة لازالوا يتحدثون في خطبهم عن مشاكل القرن 21 بترسانة فقهية “قديمة” من القرن الثالث الهجري.

وطبيعي أن يصاب شبابنا بالإحباط أمام محدودية القدرة التنافسية للإعلام الديني الوسطي في المغرب، خاصة مع تلك “الصورة السلبية” المرسومة في المخيال الجماعي للمغاربة عن مؤسسة العلماء وعن الهيئات الدينية الرسمية.

وهذه كلها عوامل متعددة يبرر بها العديد من شبابنا هجرتهم الجماعية إلى القنوات الدينية المشرقية والخليجية التي تلقنهم تدينا بدويا منغلقا تعافه ربما حتى الفطرة السليمة.

وهذا التدين البدوي الخليحي المدعوم بقوة المال قد ينتهي في بعض الأحيان بصاحبه غير المحصن فكريا بما فيه الكفاية إلى السقوط في العنف والتطرف أو السفر إلى بؤر التوتر والقتال.

صحيح أن الدولة اشتغلت على كثير من الواجهات منذ وقوع أحداث 16 ماي لعلها تقلص دائرة الشروط المؤدية إلى خلق البيئة المناسبة لتفريخ الإرهاب والإرهابيين.

ففي المجال الاجتماعي مثلا، أعطيت التعليمات الملكية للقضاء على السكن غير اللائق ودور الصفيح..

كما تم ترحيل آلاف الأسر من “الكاريانات” إلى شقق السكن الاجتماعي، إضافة إلى إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتمويل مشاريع مذرة للدخل لمساعدة بعض العائلات الفقيرة على تحمل أعباء الحياة وتحصين أبنائها من شبكات التطرف والمتطرفين.

وفي المجال التربوي، حاولت الدولة الاشتغال على محاربة الهدر المدرسي من خلال إدماج التلاميذ المعنيين بهذه القضية.

وهكذا تم إيقاف العمل بعقوبة فصل التلاميذ من الدراسة، وهي عقوبة كان معمولا بها في المجالس التأديبية قبل أن يتم استبدالها بعقوبات بديلة.

أما في المجال الثقافي، فقد انخرطت الدولة في مبادرات لتشجيع “ثقافة الفرح” والمتمثلة أساسا في سياسة المهرجانات في مختلف المدن المغربية..

رياضيا، تم إحداث ملاعب القرب لتشجيع الشباب على التردد على هذه الفضاءات مجانا قبل أن تتحول هذه الملاعب مع مرور الوقت الى تجارة رابحة استفادت منها بعض الحيثان الكبيرة.

اقتصاديا، وخلال السنوات ألأخيرة، كان هناك عمل على الرفع من ميزانية الاستثمار إلى مستويات هامة للرفع من نسبة النمو والتخفيف من نسبة البطالة..

لكن، ومع ذلك، بقيت حصيلة هذه المحاور كلها في تطويق خلايا المتطرفين جد محدودة ومتواضعة ما دام مسلسل الكشف عن هذه الخلايا وتفكيكها لازال متواصلا.

نعم إنها حصيلة محدودة لأن السياسات الناجحة أو تلك التي تحقق مستويات متقدمة من أهدافها، هي التي تظهر نتائجها في تقليص عدد الخلايا وأيضا في تخفيف الضغط على عمل الأجهزة الأمنية..

ثم هناك مستوى ثالث من هذه الاستراتيجية الذي لم تتوفق الدولة في تدبيره بالنجاعة اللازمة.

ونقصد هنا بالطبع ملف السلفية الجهادية الذي يمكن أن نتحدث فيه عن تحديين يواجهان أهل “الحل والعقد” في هذا الملف.

التحدي الأول يهم السلفيين الذين تورطوا من جديد في “جرائم العود” بعد الإفراج عنهم من السجن، فيما يكمن التحدي الثاني في عملية “الإدماج السياسي” للفاعل السلفي في الحياة السياسية.

وليس سرا اليوم أن الدولة “تثقالت” إلى الأرض في اعتماد “المقاربة التصالحية” مع المعتقلين السلفيين رغم أنها قطعت أشواطا بعيدة في “الحوار” الذي باشرته مع مكونات الجسم السلفي في السجن.

وإذا كان هذا الحوار قاد نسبيا إلى تصنيف التيار السلفي على قاعدة الموقف من العنف ومن له الحق في التسويغ الشرعي له، فإن الدولة لم تتخذ قرار الإفراج عن شيوخ السلفية الجهادية إلا بعد اندلاع احتجاجات الربيع العربي.

وكان منطق الدولة في هذه القضية المتعلقة بالإفراج عن بعض السلفيين قد اعتمد بالأساس على تجارب سابقة وبالضبط على سجلات العرب الأفغان العائدين إلى أوطانهم..

لكن الدولة نفسها تحفظت عن إطلاق سراح سلفيين آخرين لأن بعض المفرج عنهم عقدوا هذا الملف بكامله بعد تورطهم من جديد في ارتكاب أعمال إرهابية..

لا خلاف في أن الأجهزة الأمنية راكمت خبرة كبيرة في الدراية بأتباع التيارات السلفية ومدارسهم الفكرية وصنفتهم تصنيفا دقيقا خاصة بعد رحيل حميدو لعنيكري ومجيء عبد اللطيف الحموشي..

ومع ذلك، لا بد من الاعتراف أيضا بأن الدولة “أخطأت” في إدارة ملف الشيوخ السلفيين الذين غادروا السجن بعفو ملكي.

لماذا؟

لأنه بدا كما لو أن هناك “جهة ما” أوحت، ذات سياسي مضى، لهؤلاء الشيوخ بأن يركبوا زوارق بلا بوصلة خلف الكوميسير عرشان أو خلف محمد خليدي في محارات حزبية لا وجود لها حتى في الأوراق.

وهكذا خسرنا الأهم وهو عدم وجود مخاطب ذي مصداقيه باسم السلفيين يحظى بثقة الدولة وفي الوقت نفسه يحظى بثقة السلفيين أنفسهم.

أما النتيجة فهي كما نرى لا كما نسمع: جيوش من السلفيين لم يعودوا يثقون في أحد، بل أصبحوا ينظرون إلى هؤلاء الشيوخ الخارجين بعفو ملكي من السجن كما كان ينظر المغاربة إلى “بنعرفة” الذي نصبته الحماية الفرنسية خليفة لسلطان “شاهدوه بالعين المجردة في القمر”..

وكان سيربح الجميع والوطن تحديدا لو حافظ الشيوخ المفرج عنهم على مصداقيتهم وعلى “ابسيكولوجية” العالم الديني المنفتح لكن المستقل في قراره ونشاطه الدعوي والسياسي أيضا..

لماذا؟

لأن هؤلاء الشيوخ هم المؤهلون، مع أطراف رسمية أخرى بالطبع، لقيادة الحوار مع المعتقلين السلفيين وإدارة موضوع المراجعات الفكرية لدى المتطرفين منهم.

لكن لا شيء من هذا حصل.

وربما لهذا السبب وغيره، هناك اليوم أكثر من نصف المعتقلين الموزعين على السجون المغربية هم مع داعش ومع “دولتها الدموية” ولا يترددون حتى في تكفير هؤلاء الشيوخ الذين تربوا على أيديهم والتشكيك في أي تحرك من تحركاتهم مهما كانت نواياهم سليمة وحسنة القصد.

وقع كل هذا في وقت كان المطلوب من عملية “الإدماج السياسي” للتيار السلفي بإشراف الشيوخ أن تقود إلى تأهيل بيداغوجي للشباب السلفي ودفعهم إلى وضع ثقتهم في مؤسسات الدولة وفي العملية السياسية السلمية حتى يستأنسوا بشروط اللعبة في أفق القطع مع مظاهر التطرف والغلو..

بقي فقط أن أختم بهمسة في آذان بعض عقلاء مكونات التيار السلفي لأقول لهم إن حل ملف السلفية ليس بيد الدولة وأجهزتها الأمنية فقط.

وظني أن مكونات التيار السلفي هي بدورها يمكن أن تساعد على إيجاد هذا الحل إذا ما استطاعت أن تتجاوز تناقضاتها الفقهية وخلافاتها الداخلية التي تزرع الغموض والشك في ملف يتطلب الكثير من الوضوح..