زهير داودي يتساءل: لماذا لا تدعم الأمم المتحدة مبادرة الملك محمد السادس لمحاربة (كورونا) في إفريقيا؟
هل لهذا الذعر العالمي المرعب "حسنات"؟
نعم له "حسنة" واحدة.
الملاحظ أن أزمة فيروس (كورونا) أبانت عن الوجه الحقيقي للحكومات الغربية والكيانات والتكتلات والمنظمات الدولية، وبرز ذلك جلياً في الإقتصار على تدبير الشأن اليومي دون الأخذ بعين الإعتبار لحجم المخاطر، ودون الإستعداد لمجابهة الأزمات والكوارث العابرة للحدود الوطنية.
نحن بصدد وباء ينتشر في العالم كله، أي أنه يحمل صفة "العالمية". وبالتالي، فإن من واجب حكومات الدول القوية ومنظمة الأمم المتحدة أن تضع من التدابير والإجراءات ما يلزم من أجل مواجهة خطر محدق بالإنسانية جمعاء وبمستقبل أجيالها القادمة.
الأمثلة متعددة على عجز ما كان يُعتقد أنها مراكز للعالم مثل نيويورك التي أعلن حاكمها أندرو كومو عن "عجز" ولايته عن توفير الخدمات الصحية في المستشفيات، والإفتقار إلى الوسائل التي من شأنها أن تحد من إنتشار الوباء القاتل.
أكثر من ذلك، أعلن كومو أنه لن "يلتزم بأي أمر قد يصدره الرئيس دونالد ترامب بإعادة فتح ولايته بطريقة غير آمنة في خضم تفشي فيروس كورونا".
على الجانب الآخر، نجد أن دولاً هي في الحقيقة عريقة في التاريخ والإنفتاح الحضاري، لكنها قد لا تكون شيئاً أمام الدول العظمى ذات الإمكانيات المالية والتكنولوجية الضخمة… ومع ذلك، أبانت عن علو كعبها في التدبير الحكيم والأنجع لهذه الجائحة، وكانت سباقة إلى إقتراح حلول تتجاوز مساحتها الجغرافية وتتعدى صلاحياتها الوطنية إلى ما هو إقليمي وقاري.
نتحدث هنا عن تدبير ملك المغرب لهذه المعضلة الوبائية، فقد بادر جلالته إلى إقتراح تنسيق إفريقي ليس فقط لمواجهة جائحة (كوفيد – 19) بتداعياتها المأساوية على المستويات البشرية والإقتصادية والتجارية والإجتماعية والأمنية، ولكن أيضاً للتصدي لكل المخاطر التي قد تحدق بالقارة الإفريقية التي ينظر إليها الغرب بمنظار الإستعلاء والإحتقار والإستغلال الإستعماري…
ليس بالشيء الجديد في حكم جلالة الملك محمد السادس، منذ أن تولى العرش قبل أزيد من عقدين، أن نقول إن جلالته كان سباقاً إلى طرح مبادرات خلاقة ليس على شكل خطابات ورسائل شفهية، بل بإجراءات عملية وبأفعال ملموسة كتعميق التعاون "جنوب – جنوب"، وسياسة "رابح – رابح" ببعد تضامني راسخ، وتبادل الخبرات والتجارب بدل إعتماد أسلوب توزيع الحقائب المليئة بالدولار والأورو كما يفعل البعض في الجوار، والتنسيق بين البلدان الإفريقية والعربية من أجل الخروج برؤية إستراتيجية لحل النزاعات وتجاوز الأزمات بأفق البناء والتنمية المستدامة والتضامنية.
في نظرنا، فإن مبادرة جلالة الملك من خلال إجراء إتصالين هاتفيين مع ألاسان درامان واتارا، رئيس كوت ديفوار، وماكي سال، رئيس السنغال، بهدف دق ناقوس الخطر على خلفية التطور المقلق لجائحة (كورونا) في إفريقيا، تشكل لبنة تدعو كل ذي ضمير ومسؤول عن سلامة شعبه ومؤمن بضرورة سلامة الإنسانية إلى الإنضمام، وبدون شروط، إلى هذه المبادرة الخلاقة التي من شأنها التأسيس لسابقة في العلاقات الدولية وتقديم درس للقوى الكبرى التي تتسابق في إبراز أنانيتها وقصر نظرها في التعاطي مع وباء زاحف كسر منطق الحدود الوطنية، فانقلب السحر على الساحر، وانهارت الكيانات والتحالفات، وأصبح المرء يفر من أخيه وأمه وبنيه وَفَصِيلَتِهِ التي تُؤْوِيهِ.
تأسيس التكتلات والكيانات الإقتصادية والتجمعات الجهوية كان إلى وقت قريب ينبني على عوامل جغرافية وتاريخية وثقافية، إلا أنه أضحى اليوم غير ممكن إلا على أساس التضامن والتقاسم والتشارك بهدف شحذ الهمم لمواجهة المخاطر وبناء المستقبل المشترك.
خلال محادثاته الهاتفية مع رئيسي كوت ديفوار والسنغال، اقترح جلالة الملك محمد السادس "إطلاق مبادرة لرؤساء الدول الإفريقية تروم إرساء إطار عملياتي بهدف مواكبة البلدان الإفريقية في مختلف مراحل تدبيرها للجائحة"، ويتعلق الأمر، حسب ما جاء في بلاغ للديوان الملكي (الإثنين 13 أبريل 2020)، ب"مبادرة واقعية وعملية تسمح بتقاسم التجارب والممارسات الجيدة لمواجهة التأثيرات الصحية والإقتصادية والإجتماعية للجائحة".
من المحقق أن هذه المبادرة تنبع من حسٍ إنسانيٍ محضٍ لملك أبان، في جميع الإستحقاقات الحاسمة والتحديات الكبرى، بأن مصلحة شعبه تسبق كل شيء. لكن جلالته، في المقابل، يفكر أيضاً في مصلحة الشعوب الأخرى التي يعتبرها شقيقة وصديقة بهدف أن يتقاسم معها المصير نفسه والمعركة نفسها.
النداء موجه الآن، في هذه المرحلة المفصلية، إلى منظمة الأمم المتحدة لتتخذ من هذه المبادرة أرضية لتشكيل ما يمكن أن نسميه ب"جبهة دولية" مهمتها السهر على ضمان التنسيق بين الدول بقصد وضع الإنسانية في قلب الإهتمام المشترك، وإزالة العراقيل والسلوكات التي تنم عن أنانية مفرطة وإستغلال أعمى للأوضاع بغرض إستعراض العضلات ونيل شرف سبق إكتشاف اللقاح الكفيل بالإجهاز على (كورونا).
الحقيقة المعروفة حتى الآن، وبالمكشوف، هي أن لوبيات المختبرات الطبية العالمية عاجزة عن التوصل إلى إختراع لقاح فعال. وأمام هذا العجز، صار لزاماً على الحكومات أن تفتح أبواب البحث والدراسة على مصراعيها أمام باحثين شباب أكفاء همهم ليس الربح القريب، وإنما ضمان ما يحمي البشرية من الآفات والأوبئة. وهنا يأتي دور الجامعات أيضاً حتى لا تظل مجرد فضاء للتلقين وحسب، بل بنية للتمحيص والتدقيق والدراسة وإنتاج القيمة المضافة النوعية.
هنا، كذلك، يبرز الدور الحيوي لرجال المال والأعمال والمقاولات الصناعية المواطنة في تمويل هذه الأبحاث أو المساهمة في تمويلها، لأن تطوير آلة الإنتاج مرتبط، بحكم منطق التأهيل البشري والتكنولوجي، بقيمة الحلول التي تنتجها العقول في المختبرات العلمية.
وعلينا أن لا نغفل كذلك أهمية ودور الجماعات المنتخبة في الإسهام، بدورها، في دينامية دعم البحث العلمي، فزمن الإقتصار على ممارسة الوظائف الكلاسيكية كمنح تراخيص البناء والهدم انتهى. ولذلك، فهي مطالبة بتخصيص إعتمادات مالية موجهة لمراكز جامعية تثبت جدارتها في البحث العلمي.
ليس خافياً على العالم ما أظهره المغرب من جدية وصرامة وحزم في التعامل مع ما يمكن أن يزعزع أمن وسكينة المغاربة، أو أن يعرض حياتهم للخطر، وهذا بفضل عبقرية ملك جعل شغله الشاغل وهمه اليومي إسعاد شعبه والتضامن مع إخوانه وأشقائه من خلال إتخاذه للمبادرات اللازمة في التوقيت الصحيح، والقابلة للتنفيذ.
مرة أخرى شكراً جلالة الملك محمد السادس؛ لقد جعلت من خدمة مصالح شعبك وخدمة الشعوب الشقيقة والصديقة على رأس أولوياتك، ونرجو أن تتسع هذه المبادرة لتصبح دولية، وأن تعود الدول الغربية والجهات الأنانية والنرجسية إلى رشدها لتساهم في هذا المشروع الخلاق.