سفير سابق يناجي روح الزعيم عبد الرحيم بوعبيد
عند عودتي، استوقفني عند الباب حارس المقبرة، الذي تتبع خطواتي ليقول لي: "لم يأتوا اليوم… زوجته وابنه كانا هنا أمس".
إنه بالنسبة إلي، سواء وحيدا أو مع آخرين، واجب الذاكرة.
مهما يكن، حتى وإن صار تحت الأرض بسبعة أشبار، لن يموت عبد الرحيم أبدا.
لكن أين هم الآن؟
ماذا حل بمئات الآلاف الذين رافقوه حتى مثواه الأخير؟
أي ريح أتت على المناضلين الذين كانوا يقسمون على البقاء حراسا لحرم الوطنية؟
أي قوى ثبطت زخم حماس حراس الحرم وأجهضت الأحلام التي كانت تصبو إليها القوى الشعبية؟
كزعيم، كانت لك الحرية المطلقة، ولم يخل ذلك من مشاكل في بعض الأحيان، لكن بشجاعة وإخلاص ونكران ذات مع حسن تقدير الأحداث والرجال.
وفعلا أيها الزعيم لقد امتلكت موهبة جمع الناس حولك وإعطاء المعنى لرفاقك: المناضلون الأوائل، المقاومون، الأطر، العمال أو الطلبة.
كانوا ينزلون جميعا إلى الشوارع لتحيا الديمقراطية، وإعطاء معنى لكرامة الإنسان ومضمونا لاحترام حقوق المواطنين وإشعاعا لمشروع المغرب.
من كان يستطيع أن يجمع، على مائدة واحدة، نخبة من المثقفين والسياسيين أمثال عابد الجابري، محمد لحبابي، محمد كسوس وآخرين كمنصور واليازغي؟…
من يمكن أن يتباهى بأن يجمع حوله رجالا ذوي إشعاع من قبيل العروي، أو أي هامات أخرى؟
لم يكن هدف القاطرة، التي كان يقودها بوعبيد، لفظ المناضلين، بل على العكس، كانت كل مرحلة فرصة لاستقطاب مناضلين جدد ذوي عزيمة وحماس.
من كان قادرا على الحديث، بأريحية وثقة، عن ماكس فيبر وسارتر ورولان بارت مثل شاب من أوائل السوربون.
رجل سياسة علم جيلي، عند خروجه من مكتبة "سان جرمان دي بري"، هذه المقولة الشهيرة لجون جوريس: "القليل من الأممية يبعد عن الوطن والكثير منها يقرب منه" لكي يثير قلقنا أكثر عن القضية الفلسطينية وباقي القضايا الدولية.
لم أذهب لأضع الزهور على ذلك القبر القاسي. لم تكن المقبرة، الواقعة على الساحل، تشبه شيئا معينا يوم 9 يناير.
كانت السماء منخفضة جدا إلى حد يمنع رؤية الأفق.
لا مجال للاستسلام لصافرات الإنذار والأزمنة الجديدة لنسيان أن الغد لن يكون ممكنا إلا عندما نستوعب أمس جيداً .