الخبر من زاوية أخرى

بنددوش.. رحيل صحافي كبير عاصر ثلاثة ملوك

بنددوش.. رحيل صحافي كبير عاصر ثلاثة ملوك
مصطفى الفنمصطفى الفن

عن عمر قارب قرنا من الزمن، رحل، اليوم، هرم كبير من أهرامات الإعلام والصحافة بالمغرب..

إنه محمد بنددوش ذو الأصول الجزائرية الذي عاصر ثلاثة ملوك مغاربة وربما عرف بعضهم عن قرب خاصة الراحل الحسن الثاني..

وفعلا فقد عاصر بنددوش محمد الخامس.. وعاصر الحسن الثاني.. وعاصر محمد السادس..

وكثيرا ما رافق بنددوش الراحل الحسن الثاني في طائرته الخاصة إلى الكثير من عواصم الدنيا وغطى الكثير من المؤتمرات ومن القمم ومن الأحداث الدولية سواء بصوته الإذاعي الاستثنائي أو بكتابته العميقة..

وربما ليس سرا أن الحسن الثاني نفسه كان يستمع إلى التقارير والنشرات الإخبارية بصوت بنددوش خاصة تقريره الأسبوعي لإذاعة “صوت أمريكا” لأن الراحل عمل مراسلا لهذه الإذاعة لمدة فاقت 30 سنة..

وليس مبالغة أن أقول أيضا إن بنددوش كان “تقريبا”، وقتها، هو النافذة التي يطل منها المهتمون من العالم على ما يجري داخل المغرب من أحداث خاصة في شقها الرسمي..

بنددوش هو أيضا “شاهد عصر” على أسرار كثيرة وعلى أحداث كثيرة وأيضا على محطات كثيرة حساسة من تاريخ المغرب حتى لا أقول إنه عاش هذه الأحداث وكان جزءا منها لحظة بلحظة..

ولا بأس أن أذكر هنا أن بنددوش اطلع أيضا على معلومات وكواليس كثيرة لها صلة بمحاولتين انقلابيتين ضد نظام الحسن الثاني..

كما غطى بنددوش حدثا استثنائيا وهو حدث المسيرة الخضراء ليس باعتباره صحافيا فقط ولكن أيضا باعتباره مواطنا مغربيا يشتغل في إذاعة مغربية..

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، ذلك بنددوش اطلع أيضا على الكثير من المعلومات ومن الكواليس ومن الأسرار التي لم تعرف طريقها إلى النشر في أكثر من قضية معقدة وذات حساسية خاصة..

وقع كل هذا لأن الراحل كان، ربما في فترة من الفترات، هو صلة الوصل بين الديوان الملكي وبين أي شيء له علاقة بالأنشطة الملكية وبالأخبار الملكية التي ينبغي أن تنشر في وكالة المغرب العربي للأنباء والإذاعة الوطنية وجريدة الأنباء..

وربما لا يعرف كثير من الناس أن بنددوش ستتم ترقيته مهنيا كمدير للإذاعة الوطنية لكن بدون قرار تعيين يسمح له بالاستفادة من امتيازات هذا المنصب..

أكثر من هذا، فحتى بعد تقاعد بنددوش، فإن من يهمهم الأمر حرصوا على أن يرسلوه إلى إذاعة العيون لكي يعمل على تطوير هذه الإذاعة والرفع من أدائها المهني بدون أي امتيازات أيضا..

كما يحسب لبنددوش أيضا أنه ساهم في تكوين جيل من الصحافيين ومن الإذاعيين بينهم أسماء بارزة بصمت على مسار مهني لافت قبل أن ترحل في صمت أو تتوارى إلى الخلف في ظروف غامضة..

بل إن جزءا من هذا “المكروه” حصل مبكرا خاصة هذا بعد الزواج غير الشرعي بين وزارة الداخلية والإعلام في عهد الراحل إدريس البصري..

بعض المقربين من الراحل يقولون بهذا الخصوص إن بنددوش أدى الثمن غاليا بسبب هذا الزواج بين الداخلية والإعلام حتى لا أقول إنه كاد أن يتحول إلى واحد من “ضحاياه”.،

لكن المثير في هذه الحكاية كلها وهو أن الذين جاؤوا إلى مناصب المسؤولية بالأذاعة الوطنية أضاعوا كل شيء ولم يحافظوا حتى على 10 في المائة من هذا الإرث الإذاعي والصحفي والمهني الكبير للراحل بنددوش..

وكم هو مؤسف أيضا أن كثيرين من هذا الجيل الجديد من الإذاعات الخاصة بعد “التحرير” الافتراضي للقطاع لا يعرفون ربما أي شيء عن الراحل بنددوش..

وهذا غير مستغرب لأن الجميع انشغل ربما بالدعاية وبالتفاهة وانشغل أيضا بأشياء أخرى ليست لها ربما أي علاقة بالمغرب وبمستقبل المغرب..

طبعا أنا لا أعمم هنا لأن ثمة استثناءات خرجت عن القاعدة، وأنا معجب، في هذا المنحى، بأداء كثير من الزملاء في أكثر من إذاعة وتحديدا في مدرسة “إذاعة ميدي1”..

بقي فقط أن أقول:

إن اللحظة ليست فقط لحظة ترحم على روح فقيد نسأل الله أن يتغمده بواسع مغفرته..

اللحظة أيضا هي لحظة تفكير جدي في طرق وكيفية تكريم، ولو بعد بعد الممات، لتخليد اسم إعلامي وازن وصحافي كبير أعطى كثيرا وبغير حساب للمهنة وللوطن دون أن يأخذ في حياته أي شيء.