; مصطفى الفن يكتب: عندما تكون “نخبة” المجتمع “محافظة جدا” وليست متحررة جدا – الخبر من زاوية أخرى | آذار – adare.ma
الخبر من زاوية أخرى

مصطفى الفن يكتب: عندما تكون “نخبة” المجتمع “محافظة جدا” وليست متحررة جدا

مصطفى الفن يكتب: عندما تكون “نخبة” المجتمع “محافظة جدا” وليست  متحررة جدا
مصطفى الفنمصطفى الفن

اندلع جدل وسط الرأي العام على خلفية تصريح قال فيه وزير العدل عبد اللطيف وهبي إنه يشتغل على “ملتمس” في أفق وضعه بين يدي الملك من أجل العفو على معتقلي الريف..

كلام وهبي عادي جدا وطبيعي جدا حتى لا نقول إنه يستحق ربما الإشادة أيضا..

بل إن مثل هذا الكلام مطلوب ربما من وزير سياسي بنزعة حقوقية وبماض وحاضر فيهما الكثير من التمرد والخروج عن الصف..

كما أن مثل هذا الكلام والنقاش مطلوب في أي دولة تحترم مواطنيها وتحترم صحافة بلدها..

ومطلوب أيضا في أي دولة لها مؤسسات تقوم بأدوارها الدستورية والسياسية..

ثم إن وهبي، الذي لا يحتاج ربما إلى من يدافع عنه، لم يتحدث عن عفو بل تحدث عن مجرد “ملتمس” لا غير..

أما العفو بشقيه الخاص والعام فهو مؤطر بالدستور، وشقه الأول يبقى اختصاصا حصريا للملك..

ووهبي نفسه يعرف كل هذا جيدا وصرح به بالوضوح التام أيضا للزملاء في “حديث الصحافة” بقناة “دوزيم”.

بل إن وهبي قال أيضا خلال هذا المرور التلفزي إن الملك هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في العفو..

فهل هناك أبلغ وأوضح وأقوم قيلا من هذا الكلام؟

لا أعتقد..

فأن يقول وزير للعدل في المغرب إنه سيرفع ملتمسا للملك من أجل العفو على معتقلي الريف فهذه ليست شجاعة وجرأة فقط.

إنها أيضا “قنبلة إعلامية” بلغة الصحافة وبلغة قبيلة الصحافيين..

وأنا شخصيا لا يمكن لي إلا أن أرحب بهذه “القنبلة الإعلامية” في شكل تصريح من أي مسؤول حكومي أو أي مسؤول في الدولة..

وعندما أذكر بكل هذا فلأني أفترض أن الصحافة ونخب المجتمع هي التي ينبغي أن تكون جد متحررة وجد متقدمة على مسؤولي الدولة وليس العكس..

لماذا؟

لأن المسؤول الحكومي أو المسؤول في الدولة يبقى في كل الأحوال مطوقا بواجب التحفظ والصمت والكتمان وقلة الكلام..

كما أن المسؤول الحكومي أو المسؤول في الدولة معرض إلى المحاسبة والمساءلة عن كل تصريحاته أو خرجاته الإعلامية غير الموفقة..

لكن أن تدعو أصوات من الصحافة ومن نخب المجتمع المسؤولين الحكوميين ومسؤولي الدولة إلى مزيد من التحفظ ومن الصمت، فهذا اسمه الخوف من الآتي؟!

وظني أنه لا يخاف من “الآتي” سوى من يعتنق قيم “المحافظة” بجرعة زائدة..

أما لماذا يخاف “المحافظ” من الآتي؟

فلأنه يؤمن الى حد الاعتقاد بأن أجمل الأيام هي تلك عاشها في الماضي لا تلك التي سيعيشها في المستقبل.

والحال أن الصحافة ونخب المجتمع ينبغي أن تكون أكثر تحررا وأكثر تقدما من الجميع ومن الدولة ومن المجتمع أيضا..

عندما انتخب عبد اللطيف وهبي أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة في فبراير 2020، خصه الملك محمد السادس بلقاء لن ينساه وهبي أبدًا..

في هذا اللقاء الذي استغرق قرابة 26 دقيقة، اعترف عبد اللطيف وهبي في حضرة الملك بما يشبه “شيئا سلبيا” يلازم مساره السياسي.

وهبي قال في نص هذا الاعتراف في أدب واحترام يليق بمقام جلالته:

“سيدنا أنا راني كنتكلم بزاف..”.

لن أقول كيف كان جواب الملك على “حيرة” عبد اللطيف وهبي..

لكن جواب جلالته كان في منتهى الحكمة والأناقة والروح الإيجابية أيضا..

بل إن جواب جلالته أكد لي شخصيا شيئا واحدا وهو أن لدينا ملكا جد متقدم على نخبة البلد وعلى ساسة البلد وعلى صحافة البلد أيضا..

وأنا أنهي هذه التدوينة تذكرت كيف أن الملك محمد السادس كاد أن يعطي أول حوار صحفي لصحافي مغربي ذات سياق مضى..

بل إن الناطق الرسمي باسم القصر الملكي وقتها اتصل بالصحافي المعني بالأمر وطلب منه أن يهيء نفسه وأسئلته لمحاورة ملك البلاد..

وا أسافاه.. “فين كنا وفين ولينا..”.